انظر إلى السماء في ليلة صافية سترى نجوماً كثيرة هنا وهناك تترامى في أطراف السماء، دقّق النظر ستراها مختلفة ليس في لمعانها فحسب إنما أيضاً في ألوانها . فبالرغم من أن معظمها يظهر بلون أبيض وبعضها يظهر بلون برتقالي والبعض الأخير يظهر بلون أصفر باهت ، إلا أن الحقيقة هي أنها تتمايز في ألوانها بشكل كبير . فلو أتيحت لك الفرصة أن تصور بقعة من السماء في تلك الليلة بآلة تصوير جيدة تسمح لك باستمرار التصوير مدة نصف ساعة أو أكثر مثلاً ، فإنك سترى حقيقة ألوان النجوم في الصورة ، إذ ستظهر فيها النجوم بألوان الطيف
( عدا الأخضر !! ) ، فهناك النجوم الزرقاء والبيضاء والصفراء والحمراء وأخرى بين هذه وتلك ، تتوزع في مختلف الاتجاهات في السماء .
فما هي دلالة هذه الألوان ؟ ولماذا تختلف النجوم بألوانها ؟ ولماذا لا توجد نجوم خضراء ؟
لو سنحت لك الفرصة أن تسأل عالماُ فلكياً عن أهم آلة رصد فلكية على الإطلاق إضافة إلى التلسكوب ، سيجيبك مباشرة بأنها جهاز المطياف الضوئي ( الذي يعمل على تحليل أشعة الضوء إلى ألوانها الأصلية كما في طيف الشمس المعروف بألوان قوس المطر ) . والسر هو أن النجوم لبعدها الهائل لا يمكن أن نستكشفها إلا إذا وصلناها ، وهو أمر مستحيل ، فكيف ندرسها إذاً ؟ ندرسها بواسطة ضوئها القادم إلينا .
فحيث إن كل النجوم شموس كشمسنا ، فإنها تملك أطيافاً تشبه طيف الشمس ، لكن طيفها هذا له خصائص تختلف قليلاً عن طيف الشمس . فعلى سبيل المثال ، تعد الشمس نجماً أصفر اللون بسبب طيفها الذي يغلب عليه الهيدروجين والمعادن . لكنها في الوقت ذاته – كما نعلم – أنها تعطينا جميع الألوان الأخرى ناتجة عن عناصر أخرى . أما لو نظرنا إلى نجم أبيض كنجم الشعرى اليمانية فإننا سنرى طيفه يغلب عليه الهيدروجين فقط . في حين أننا لو أخذنا نجماً برتقالياً محمراً فسيختلف طيفه تماماً فطيفه معقد نتيجة الجزيئات المختلفة للعناصر الكثيرة في النجم .
هذا الاختلاف في ألوان النجوم يرجع سببه إلى أن سطوح النجوم لها درجات حرارة مختلفة عن بعضها البعض . من أجل ذلك قام العلماء في القرن التاسع عشر بمحاولة تصنيفها إلى عدة مراتب بحسب ألوانها التي تعكس درجات حرارة سطوحها فأعطوا كل لون حرفاً يميزه ويدل على درجة حرارته .فقسموا النجوم في البداية إلى إحدى عشرة مرتبة بدءاً من أشدها حرارة وهي النجوم الزرقاء، وانتهاءً بأقلها حرارة وهي النجوم الحمراء . فكانت الأحرف كالتالي ( من اليسار ) W , O, B, A, F, G, K, M, R, N, S وكانت تجمعها جملة باللغة الإنجليزية هي : Wow! Oh Be A Fine Girl (Guy) Kiss Me Right Now Sweetie . لكن الفلك الحديث دمج بين بعض مراتب النجوم فخفضها إلى سبعة مراتب فقط هي الآتية : O ,B, A, F, G, K, M كما في الجدول التالي:
المرتبة الطيفية | اللون | درجة حرارة سطحه | مثال عليه |
---|---|---|---|
O | أزرق | أكثر من 25000 كلفن | نجم زيتا الجبار / الجبار |
B | أبيض مزرق | 11000-25000 | السماك الأعزل / العذراء |
A | أبيض | 7500-11000 | الشعرى اليمانية / الكلب الأكبر/النسر الواقع / القيثارة |
F | أبيض مصفر | 6000-7500 | /النجم القطبي / الدب الأصغر سهيل / القاعدة |
G | أصفر | 5000-6000 | الشمس ، العيوق / ممسك الأعنة |
K | برتقالي محمر | 3500-5000 | /السماك الرامح / العواء الدبران / الثور |
M | أحمر | أقل من 3500 | /يد الجوزاء / الجبار قلب العقرب / العقرب/ بروكسيما قنطورس / قنطورس/ |
إلا أن لمعان النجم في السماء لا يعتمد بالضرورة على قربه أو بعده عنا ، إنما يمكن أن يكون السبب هو عظم حجمه أو صغره. فمن النجوم من هو عملاق أو فوق العملاق ، كقلب العقرب والدبران ويد الجوزاء والسماك الرامح ، ومنها ما هو قزم يصغر الشمس بكثير مثل نجم بروكسيما قنطورس ( أقرب النجوم بعد الشمس ) ونجم إبسلون النهر ، ونجم تاو قيطس .
( إبسلون وتاو هما حرفان لاتينيين يستخدمان كبقية الأحرف اللاتينية لتصنيف النجوم بحسب لمعانها في الكوكبة النجمية التي تنتمي لها هذه النجوم ، وألمع نجم في أي كوكبة يأخذ عادة – غالباً – الحرف ألفا ، ثم يأخذ الذي يليه الحرف بيتا .. وهكذا ). والنجوم العمالقة تأتي بألوان ثلاث هي العمالقة الزرق ، مثل نجم رجل الجبار ذي اللون الأبيض المزرق . والعمالقة الحمر ، مثل نجم يد الجوزاء الذي لو وضع مكان الشمس لابتلع مدار عطارد ، فقطره يكبر قطر الشمس بمائة مرة ، وكتلته تزيد عن كتلتها بعشرين مرة . وهناك العمالقة الصفر ومن أمثالها نجم العيوق Capella في كوكبة ممسك الأعنة . أما النجوم الأقزام فهي نجوم اصغر من الشمس ، وتدعى كذلك مقارنة بأحجام العمالقة من النجوم كالأقزام البيضاء ، التي هي مرحلة نهائية من حياة بعض النجوم الصغيرة كالشمس .
في عام 1908 رسم العالم الفلكي الدنماركي إجنار هيرتزبرغ مخططاً جمع فيه بين لمعان النجوم ومرتباتها الطيفية ، في الوقت ذاته قام الأمريكي هنري رسل برسم نفس المخطط ، فأصبح اسم هذا المخطط الذي يربط بين لمعان النجوم ومراتبها وحتى أقدارها المطلقة وأحجامها يعرف باسم مخطط هيرتزبيرغ-رسل .
في هذا المخطط تلاحظ أن معظم نجوم السماء تنتمي لحزام يقطع المخطط من أعلى يساره إلى أسفل يمينه . بينما تتوزع بعض النجوم هول هذا الحزام بأعداد قليلة . يدعى هذا الحزام بخط سير التتابع الرئيسي للنجوم . فعليه تقع النجوم المستقرة التي تعيش حوالي 90% من عمرها تحرق وقودها الهيدروجيني بانتظام كالشمس ومعظم النجوم . وبعد استنفاد وقودها الهيدروجيني تتحرك لتصبح عملاقاً أحمر أعلى يمين المخطط . لكن أعلى يمين المخطط منطقة تختص بها النجوم فوق العمالقة أمثال رجل الجبار ويد الجوزاء والردف المعروف باسم ذنب الدجاجة ، لكن أعظم النجوم فوق العملاقة المعروفة هو النجم ميو قيفاوس الذي يعادل قطره حوالي ألف مرة قطر الشمس . وإذا ما قدر للنجم أن ينفجر ويصبح قزماً أبيض فإنه حينها يستقر أسفل يسار المخطط . أما العمالقة الزرق فهي نجوم تعيش حياتها أعلى يسار المخطط حيث الحرارة العالية واللمعان الكبير . وهكذا يمكن الاستدلال من خلال المخطط على معظم خصائص النجوم من حيث الحرارة والحجم واللمعان واللون .
0 التعليقات:
إرسال تعليق